يكثر عندنا في الصومال وجرى به العرف بأن الطالب الذي يختم
حفظ القرآن او حتى ختم دراسة القرآن ولو لم يحفظه عن ظهر الغيب يقيم مأدبة للطلبة
ويوزع لهم بعض الحلويات والعصائر ويقيم لهم حفلة في المدرسة،فما حكم هذه الوليمة
في الشرع وماذا قال عنها الفقهاء رحمهم الله تعالى؟
إسم
الوليمة:
يعرف هذه الوليمة عند الفقهاء بإسم الحذاق.
والحذاق بحاء مهملة مكسورة ثم ذال معجمة ثم ألف ثم قاف وهو في
اللغة: التعلم والمهارة، يقال: حذق الصبي القرآن حذقا وحذاقا وحذاقة، ويكسر الكل:
تعلمه كله ومهر فيه، ويوم حذاقه: يوم ختمه للقرآن الكريم([1]).
وفي الاصطلاح: الطعام الذي يصنع عند حفظ القرآن([2])
قال ابن قدامة: والحذاق: الطعام عند حذاق الصبي.
قال الخطيب الشربيني:" ولحفظ القرآن حذاق بكسر الحاء المهملة
وبذال معجمة"([3]).
قال ابن حجر:" الحذاق بكسر المهملة وتخفيف الدال المعجمة
وآخره قاف الطعام الذي يتخذ عند حذق الصبي ذكره بن الصباغ في الشامل وقال بن الرفعة
هو الذي يصنع عند الختم أي ختم القرآن"([4]).
حكم هذه الوليمة:
الظاهر في إقامة حفلة أو مأدبة بمناسبة إتمام حفظ القرآن
الكريم هو التفصيل: فإن كانت على سبيل الشكر لله على ختم القرآن الكريم حفظاً، ولم
يعتقد المقيمون لها سنيتها وخلت من الإسراف والمباهاة جازت.
أما إن اعتقد المقيمون
لها لزومها وسنيتها فالظاهر هو المنع، حيث لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
كان يقيم حفلة للقرآن لمن يتم حفظ القرآن الكريم من أصحابه، ولا أقام لنفسه صلى
الله عليه وسلم ذلك عند ختمه للقرآن الكريم. وقد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو
رد" رواه البخاري ومسلم.
ويحسن بمن يريد إقامة
حفلة أو ذبح ذبيحة بهذه المناسبة أن يذكر الحضور أن هذه ليست سنة، وإنما هي من باب
شكر نعمة الله تعالى فحسب.
وذهب بعض الفقهاء الى سنيتها وإستحباب فعلها.
قال ابن قدامة: فأما سائر الدعوات غير الوليمة، كدعوة الختان،
وتسمى: الأعذار، والعذيرة، والخرس والخرسة عند الولادة. والوكيرة: دعوة البناء. والنقيعة:
لقدوم الغائب. والحذاق: عند حذق الصبي. والمأدبة: اسم لكل دعوة لسبب كانت أو لغير سبب،
ففعلها مستحب، لما فيه من إطعام الطعام وإظهار النعمة، ولا تجب الإجابة إليها،
لما روي «عن عثمان بن أبي العاص أنه دعي إلى ختان فأبى أن يجيب، وقال: إنا كنا لا نأتي
الختان على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا يدعى إليه»
. رواه الإمام أحمد . وتستحب الإجابة، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا دعي أحدكم
فليجب عرسا كان أو غير عرس» رواه أبو داود؛ ولأن فيه جبر قلب الداعي وتطييبه([5]).
وقال ايضا:" كذا روي عن أبي عبد الله - رحمه الله -، أن بعض
أولاده حذق، فقسم على الصبيان الجوز"([6]).
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه تعلم البقرة في 12 سنة فلما
تعلمها نحر جزوراً.
فإن صح هذا الأثر عن ابن عمر فهو دليل على إستحباب هذه الوليمة
لقول النبي صلى الله عليه وسلم "عليكم بسنتي وسنة خلفاء الراشدين
المهديين".
قال البيهقي في شعب الإيمان 3/346 (حديث رقم- 1805) "
وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن الصواف،
حدثنا بشر بن موسى أبو بلال الأشعري، حدثنا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر قال:
" تعلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه البقرة في اثنتي عشرة سنة، فلما ختمها نحر
جزورا ".
ورواه ايضا ابن عساكر في (تاريخ دمشق-44/286 ).
وهذا الأثر سنده ضعيف وضعفه الحافظ ابن كثير في (مسند الفاروق-2/496)
وفيه أبو بلال الأشعري لينه الدارقطني وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يغرب.
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :هل يجوز اتخاذ وليمة عند ختم الربع أو نصف القرآن ؟
فأجاب:"لا بأس
بذلك، ولكن لا يُتخذ سُنة، ولا يُعتقد شرعية ذلك، وإنما يكون ذلك على وجه الفرح
والاستبشار والسرور بحفظ القرآن أو ما تيسر منه. والله أعلم"([7]).
قال الشيخ العلامة ابن عثيمين - رحمه الله تعالى:"أرى أن
هذه الاحتفالات لا بأس بها ، بل هي مشروعة،ولكنها مشروعة لغيرهاكيف ذلك ؟ هذه
الاحتفالات نجد فيها فائدة
:
أولا/ إدخال السرور على
التلاميذ الذين حفظوا ، فيُسَرون بهذا.
ثانيا/ أنه مظهر من
مظاهر تعظيم القرآن ، حيث جُمع الناس له من أجل أن يحتفل به.
ثالثا/ أنه يحصل به
التلاقي بين الإخوة من كل جهة ، والتعارف.
رابعا/ أنه لا يخلو من
إرشادات وتوجيهات وبيان لفضل القرآن وحفظه ، وغير هذا ، فهي مقصودة لغيرها في
الواقع، وفيها خير ، فلا نرى بها بأسا إن لم نقل إنها مطلوبة لما فيها من هذه
الفوائد التي ذكرناها"([8]).
ونقل بعض الفضلاء عن شيخ ابن باز-رحمه الله- على بدعية هذه
الوليمة ولكن لم أقف على هذه الفتوى.
والمنقول عنه في فتاوى اللجنة الدائمة يخص إقامة الوليمة
بمناسبة ختم القرآن، ولم يتعرض السؤال لمسألة إتمام حفظ القرآن الكريم. وإليك نص
السؤال وجوابه:
س4: هل تجوز الوليمة
بمناسبة ختم القرآن؟
جواب: …أما الوليمة أو الاحتفال
بمناسبة ختم القرآن فلم يعرف عنه صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من الخلفاء
الراشدين -رضي الله عنهم- ولو فعلوه لنقل إلينا كسائر أحكام الشريعة، فكانت
الوليمة أو الاحتفال من أجل ختم القرآن بدعة محدثة، وقد ثبت عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". وقال:
"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز. ضمن فتاوى اللجنة الدائمة (2/488).
وظاهر كلام اللجنة الدائمة ليس فيه كلام بخصوص الحفظ وإنما
ظاهر كلامهم المقصود منه هو ختمة القرآن قراءةًً في صلاة قيام الليل برمضان.
كتبه: خالد جامع جيلي الجبرتي
[1]) القاموس المحيط ص 813.
[2]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2 / 337، ومغني
المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج 4/403 ، وكشاف القناع 5 / 165.
[3]) ومغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج 4/403 .
[4]) فتح الباري 9/241
[5]) الكافي 3/81.
[6]) المغني 7/288.
0 التعليقات:
Post a Comment