يواصل
المهاجرون الصوماليون وغيرهم محاولات للعبور نحو أوربا عبر البحر بالرغم من المخاطر
الجمّة التي باتت تكتنف رحلة العبور فرغم تكلفة الرحلة التي ارتفعت بشكل كبير
مؤخراً ورغم مخاطر تعرض المهاجرين لعمليات احتيال أو تعرضهم للاعتقال أو الغرق أو
الإغتصاب أحيانا فإنهم يصرون على خوض التحدي معتمدين على مساعدة مافيا التهريب
التي لا ترحم أحداً.
وكتب
كثير من الباحثين والكُتاب الصوماليين كثيرا من المقالات والبحوث حول خطورة
التهريب, وآثاره السلبية على الفرد والمجتمع,ورأوا أن التهريب مفسدة محضة.
ولكن
من وجهة نظري- شخصيا-لاح بي أن في التهريب بعض المحاسن وأن إطلاق المصلحة، أو
المفسدة إنما هو بحسب الغالب وأنه ليس في الدنيا – باعتبار إيقاع الفعل فيها –
مصلحة محضة، ولا مفسدة محضة كما قرره الشاطبي[1].
فتجشمت
كتابة هذا المقال وحاولت إظهار جانبا من محاسن التهريب مع أننا نعلم يقينا أن
مفاسدها وأضرارها أكثر أضعافا من محاسنها.
وأنا
أقول لإخواني الشباب والمراهقين لا تفكروها
أبدًا، ولا توقعوا عقداً مع الموت عبر السفر بحرا أو برا بشكل غير شرعي إلى أوروبا
أو الى غيرها من الدول,ولا انصحكم أبدا بالاقدام على هذه الخطوة المميتة، ويكفي أن
تعرفوا أن عدد الذين قضوا في البحر الأبيض المتوسط خلال العام الماضي وصلو إلى أكثر
من ثلاثة ألاف شخص.
وسأورد
في هذا المقال ما قاله الحكماء والشعراء والعلماء في الغربة والتغرب.
من محاسن التهريب:
1- أنه وسيلة لطلب الرزق.
ونظرا لما تمر به البلاد من ظروف اقتصادية طاحنة وندرة
فرص العمل، أصبح حلما من أحلام الشباب الصومالي السفر للخارج والعمل لكسب
قوته. وأصبح من مخطط حياتنا كشباب السفر إلى دولة أفضل اقتصاديا للعمل وتحسين
مستوى دخلنا المادي.
والرزق نوعان : رزق بسبب ، ورزق بغير سبب ؛ فالأول يجب
السعي له ، وله أسباب لجلبه، كما قال الله (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ
ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ
النُّشُورُ [ [ الملك
: 15 ]
وأمر الله تعالى مريم فقال (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ
النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) مريم : 25.
توكلْ على الرحمنِ في كلِ حاجةٍ ... ولا تُؤْثِرَنَّ
العجزَ يومًا على الطَلَبْ
ألم تَرَ أَنَّ اللهَ قالَ لمريمَ ... إليك فهُزي الجِذْعَ يَسَّاقَطَ الرطبْ
ولو شاءَ أن تَجْنِيهِ مِنْ غَيرِ هَزِّها ... جَنَتْه
ولكنْ كلُ شيءٍ لهُ سببْ
وأما الذي بغير سبب فهو ما يرزقه الله تعالى عباده من
غير تسبب منهم ، وهذا كثير في الحياة ، كالمواريث والهبات والصدقات ونحوها ، وقد
يكرم الله تعالى بعض عبيده برزق آخر ، كما في قوله تعالى (كُلَّمَا دَخَلَ
عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ
أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ
يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب) آل عمران : 37.
وقال الشاعر:
إذا ما أطال المرء مكثا ببلدة ... تقعبه من بعد حدته نكس
ولو أن هذي الشمس دام طلوعها ... أو البدر لم يحبب ولا حبت الشمس
فجل طالبا للرزق في الأرض واغترب ... ففي كل أرض
للفتى الأكل واللبس
2-
الإبتعاد
عن ظلم الأهل والأقارب:
ومن فوائد التهريب التهرب عن ظلم الأهل والأقارب فكم تجد
من مسكينا يعاني ظلم أخيه وان اهوه الأكبر حرمه من ميراثه.
قال الشافعي :
ارحل بنفسك من أرض تضام بها ... ولا تكن من فراق الأهل في حرق
فالعنبر الخام روث في مواطنه ... وفي التغرب محمول على العنق
والكحل نوع من الأحجار تنظره ... في أرضه مرمي على الطـرق
فلما تغرب حاز الفضل أجمعه ... فصار يحمل بين الجفن والحدق[2]
ارحل بنفسك من أرض تضام بها ... ولا تكن من فراق الأهل في حرق
فالعنبر الخام روث في مواطنه ... وفي التغرب محمول على العنق
والكحل نوع من الأحجار تنظره ... في أرضه مرمي على الطـرق
فلما تغرب حاز الفضل أجمعه ... فصار يحمل بين الجفن والحدق[2]
وقال الشاعر:
وإذا رأيت من ابن عمك جفوة ... فاشدد يديك بعاجل الترحال
إن المقام على الهوان مذلة ... والعجز آفة حيلة المحتال
ولآخر:
وإذا الديار تنكرت عن أهلها ... فدع الديار وأسرع التحويلا
ليس المقام عليك حتما واجبا ... في بلدة تدع العزيز ذليلا
ولآخر:
إذا خفت من دار هوانا فإنما ... ينجيك من دار الهوان اجتنابها
3- أنها تزيد العقل والعلم:
قال بعض الفلاسفة: اطلبوا الرزق في البعد فإنكم إن لم تكسبوا
مالا غنمتم عقلا كثيرا.
ومدح أعرابي رجلا فقال: خرجته الغربة ودربته التجربة وضرسته
النوائب.
وقال آخر: لا يألف الوطن إلا ضيق العطن.
وقال الشافعي رضي الله عنه - :
تغرب عن الأوطان في طلب العلى ... وَسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفريج هم واكتسـاب معيشـة ... وعلم وآداب وصحبة ماجـد
فإن قيل في الأسفار ذل وغربة ... وقطع فياف وارتكاب الشدائد
فموت الفتى خير له من حياته**** بدار هوان بين واش وحاسد[3]
تغرب عن الأوطان في طلب العلى ... وَسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفريج هم واكتسـاب معيشـة ... وعلم وآداب وصحبة ماجـد
فإن قيل في الأسفار ذل وغربة ... وقطع فياف وارتكاب الشدائد
فموت الفتى خير له من حياته**** بدار هوان بين واش وحاسد[3]
4- التجلد والصبر على المشاق:
فكل من عرف التهريب يعرف أنها مدرسة متكاملة تُعلّم
أبنائها التجلد والصبر على المشاق وسلك المفاوز وحمل النفس على المكاره وتُخرّج
جيلا بمقدورهم التحمل والعيش بالظروف الشاقة.
قيل لأعرابي: ما أصبرك على الغربة؟ فقال: انست بالنوائب حتى
ما أعرف غيرها وغذيت بالمكاره فما أجد ضيرها.
5- الإشتياق الى البلد:
فالتهريب يجعلك تعرف قيمة بلدك الذي هاجرته وربما غادرته
وأنت سعيد بذلك.
ولا مكان في الحياة، بالنسبة للإنسان، أجملُ وأبهى من
المكان الذي وُلد فيه وترعرع، وتفيأَ ظلاله وارتوى من فرات مائه، فالمكان هو تذكر
لمراتع الصبا، وضحكات الطفولة البريئة، وهو جزء من كيان الإنسان، فمهما ابتعد عنه،
وشطت به الدار، فلا بد أن تبقى أطلال بلاده في ثنايا مخيلته.
قيل قريء على باب خان بطرسوس:
ما من غريب وإن أبدى تجلده ... إلا تذكر عند الغربة الوطنا
الطائي:
لا يمنعنك خفض العيش تطلبه ... نزاع شوق إلى أهل وأوطان
تلقى بكل بلاد إن حللت بها ... أهلا بأهل وجيرانا بجيران
فضل موت الغربة
من مات في الغربة قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة:
روى إمام أحمد 2/177 (6656) وابن ماجة 1614 والنسائي 1938 ،
من حديث عبد الله بن عمرو ، قال : توفي رجل بالمدينة ممن ولد بالمدينة ، فصلى عليه
النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " يا ليته مات في غير مولده " فقال رجل
من الناس : ولم يا رسول الله ؟ قال " إن الرجل إذا مات في غير مولده ، قيس له
من مولده إلى منقطع أثره في الجنة " والحديث حسنه الألباني، وصححه أحمدشاكر.
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : قيس له ما بين مولده إلى منقطع أثره في الجنة . أنه
يعطى في الجنة مسافة قدرها قدر ما بين مكان ميلاده إلى المكان الذي انقطع فيه أثره
أي انقطع أجله.
قال السيوطي:في شرح سنن النسائي
قَالَ الطَّيِّبِيّ: المُرَاد أَنه يفسح لَهُ فِي قَبره
مِقْدَار مَا بَين قَبره، وَبَين مولده، وَيفتح لَهُ بَاب الْجنَّة. اهــ.
وهذه المسافة التي تعطى له في الجنة هي جزاؤه ، وقد ذكر
ابن القيم في مدارج السالكين رواية أخرى توضح الجزاء أكثر وهي رواية ابن لهيعة وقف
رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر رجل بالمدينة فقال : ياله لو مات غريباً ، فقيل له: وما للغريب يموت بغير
أرضه ، فقال ، ما من غريب يموت بغير أرضه إلا قيس له من تربته إلى مولده في الجنة .
من مات بعيدا عن أهله فهو شهيد:-
ومما ورد في فضل الموت في الغربة، ما رواه ابن ماجه حديث: 1608 وأبو يعلى في المسند-حديث:2325 و الطبراني في المعجم الكبير حديث:11421 وابن الأعرابي في معجمه-1907 والبيهقي في شعب الإيمان حديث:9513 عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " موت غربة شهادة ".
ومما ورد في فضل الموت في الغربة، ما رواه ابن ماجه حديث: 1608 وأبو يعلى في المسند-حديث:2325 و الطبراني في المعجم الكبير حديث:11421 وابن الأعرابي في معجمه-1907 والبيهقي في شعب الإيمان حديث:9513 عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " موت غربة شهادة ".
وروى
الطبراني في المعجم الكبير-حديث:10829: عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " موت الغريب شهادة إذا احتضر ، فرمى ببصره عن يمينه وعن يساره ،
فلم ير إلا غريبا ، وذكر أهله وولده ، وتنفس فله بكل نفس يتنفسه يمحو الله ألفي ألف
سيئة ، ويكتب له ألفي ألف حسنة ".
كتبه خالد جامع جيلي 12-نوفمبر-2017
كتبه خالد جامع جيلي 12-نوفمبر-2017

0 التعليقات:
Post a Comment